Neon Genesis Evangelion | مشكلتي مع إيفا

 أهلًا بكم.. سأبدأ مباشرةً دون ممهِّدات، لمَ سمَّيتُ هذه التدوينة: مشكلتي مع إيفا؟ قد يتبادر إلى ذهنكَ – أيها القارئ الكريم – أنني إنما فعلتُ ذلك لأركز على الجانب الذي أجده سلبيًا في العمل، قد يكون معك حقّ، لكن في حالة عمل كإيفانجليون، عليّ أن أؤكد لك أننا لكي نمر إلى الجانب الذي يمثل مشكلةً عِندي، لا بدّ أن نمرّ على الجوانب التي تجعل هذا العملَ مميزًا.

نعم – أيها القارئ الكريم – إيفانجليون عمل مميز، ومميز جدًا في بعض جوانبه، ولعلّ هذا التميّز هو ما أثار المشكلة التي سأتطرَّق لها لاحِقًا. قبل أن نقولَ شيئًا، علينا أن ننبِّه إلى أمرين:

الأوَّل: إن كنتَ تقرأ هذه التدوينة فهذا يعني أمرين لا ثالث لهما، إما أنك شاهدتَ الأنمي، أو أنك فقدتَ عقلكَ فقرَّرت أن لا تشاهده، أما إن وصلت بقراءتك إلى هذا السطر وأنت لم تشاهد العمل، فلا أعرف ما أقول لك سوى أن أنصحك أن تغلق هذه التدوينة.

الثاني: لا يشمَلُ حديثي أدناه الفلم End of Evangelion وذلك لأنني لم أشاهده، وأنوي مشاهدته في اليوم اللاحق لكتابتي هذه التدوينة إن شاء الله.

ونَشرَعُ في بياننا فنقول: قد تتساءل أيها الأخ القارئ الكريم، ما الذي يجعلني أقول عن إيفانجليون إنه عمل مميز؟ فأجيبك: تميّزُ إيفانجليون واضح لكلِّ ذي لبّ، فأولًا ستجدُ أن هذا العمل يدور في عالم جديد، وهذا العالم الجديد فيه قُدْرٌ عظيم من الأصالة، ما أعنيه بذلك هو أنه عالم مُختلَقٌ بتفاصيل شديدة التشابك والترابط، مما يجعله عالمًا متماسكًا جدًا يمكنك أن تعيشه وتتصور الحياة فيه وأنت تشاهد العمل، لا يبدو فيه أيّ ضعف وركاكة في الكتابة، على أنه عالم يمثّل رؤية احتمالية لعالمنا هذا، أقصد بذلك: أنه ليس عالمًا مستقلًّا تمامًا، أي ليس فانتازيا، وقد تسأل: أين يتجلى ما ذكرت؟

فأقول لك: يتجلى في عديدٍ من المظاهر، مثلًا حين ترى كمية رهيبة من السطور تتحدث عن أمور أنت قد لا تستوعبها تمامًا؛ مصطلحات علمية.. مصطلحات إجرائية.. الحديث عن تركيبات معينة لمبانٍ معينة، الخ، كلّ ذلك في إيفا التركيز عليه ليس مهمًا، ذلك لأنه ليس غايةً في ذاته، ما يريد العمل أن يوصله من خلال ذلك هو إشارة إجمالية لمدى التقدم التكنولوجي الذي يعيشه هذا العالم أولًا، ولطبيعة هذا العالم الذي وصلت له البشرية بفعل الاصطدام الثاني ثانيًا، على كافة الأصعدة سياسيًا واجتماعيًا ونفسيًا واقتصاديًا وثقافيًا…الخ.

هذه الميزة، أفرزت ميزة أخرى لهذا العمل، ألا وهي الخليط العجيب من الشخصيَّات، كما يمكن أن تتوقع من وصول إلى هذا الحال من التقدّم المادي من جهة، ومن المعاناة الإنسانية من جهة أخرى= أن يفرزَ هذا الخليط من الشخصيات، خصوصًا إن أخذنا بعين الاعتبار أن الشخصيات التي يقدمها لك هذا العمل هي الشخصيات التي وُضعت في فوَّهة المِدفع، وإذًا فهي شخصيات لها تجارب مختلفة، كل شخصية منها لها معاناة مختلفة، وماضٍ مختلف، اجتمعت هذه الشخصيات لهذه المهمَّة.

ولذا فيمكن أن نقول إن الشخصيات من أهم مميزات إيفانجليون، وهاتان الميزتان أبرز في رأيي بكثير من أي ميزات أخرى قد يركز عليها المتابعون والمدونون، كاستعمال الرَّمزيات – تحديدًا الرمزيات الدينية المسيحية – أو الغموض في العمل المرتبط بذلك، فهذا الفضاء المفتوح على التأويل والاحتمالات المختلفة، إنما هو منهج معيَّنٌ في الأعمال، لا هو سلبي ولا هو إيجابي، وإنما يظهر مستواه بكيفية توظيف العمل المحدد له، وأجد أن إيفا وظف هذه الجزئية بشكل ممتع، غير أنها كما قلت ليست أبرز المميزات التي تطبع الأنمي بطابعها.

إذا عرفتَ هذا فلأمر بك إلى مشكلتي، ولأعرض لك الأمر مُجمَلًا ثمَّ أفصله: مشكلتي مع إيفا تكمن في أنَّ الشخصيات أولًا: لم تنَلْ ما تستحقه من التركيز والبناء، ثانيًا: لم تُرْبَط ربطًا كافيًا بالأفكار التي تطرحها داخليًا وخارِجيًا، مما أثر على السيناريو عمومًا.

هذا إجمال الأمر، وقبل أن نفصله عليَّ أن أنبِّه إلى سوء فهمٍ قبيحٍ قد يتوهمه بعض القراء المتعجِّلين من قراءة العبارة الأخيرة أعني عبارة السيناريو، فأنا لا أعني النهاية تحديدًا، بل أعمّ من ذلك، أعني مسار الأحداث عمومًا، وهذا أمر يستوعب النهاية وغيرها، ولا يقف عندَها، ولا يُقصدُ به النهاية كموضوع مستقلّ.

وتفصيلُ الأمر، أنني أجد مشكلتي مع بناء الشخصيات في إيفا من عدّة وجوه:

الوجه الأوَّل: أن هذا العمل رغم أنه قدَّم لنا شخصيات مميزة، كلٌّ منها بماضٍ خاص، غير أن الشخصيات لم تنَلْ منه التركيز الكافي، فأنت تجد أن العمل – خصوصًا في حلقاته الأخيرة – كثيرًا ما أبقى المشاكل الشخصية للشخصيات (وخصوصًا آسكا – ميساتو – وبدرجة أقل شينجي) مُعلَّقة، مما أفقد الأحداث تأثيرها النفسي الواضح والبارز على الشخصيات، على أن الأنمي لن يتوقف عن التدفق لأمرٍ كهذا، بل سيمضي بهذه التأثيرات المختزلة المشوهة مما سيولِّد في الشخصية تفككًا هائلًا يصعب أن يُستساغ عند المُشاهد.

بعبارةٍ أخرى: الشخصيات لم تحصل على حقِّها في إبراز تأثرها بالأحداث، ومعالجتها لها، وردود فعلها عليها، إلا بصورة إجمالية اختزالية، فلا تأثّر آسكا بخساراتها المستمرة أُظهر بصورة جيِّدة، ولا تأثر ميساتو بالأحداث المتوالية التي انتهت بخسارتها لكاجي (وأقول: الأحداث المتوالية، ناهيك عن خسارتها لكاجي نفسه!) أُظهر بصورة جيِّدة، ولا حتى ردود فعل شينجي، إنما هو مشهد بكاءٍ هنا.. ومشهد صُراخٍ هناك.. ومشهد نظراتٍ مكتئبة في مكانٍ ثالث، ثم انتهى!

لا أقول: إن التأثر لم يظهر، بل ظهر، لكن تماشي العمل مع بناء الشخصيات كان ضعيفًا، ذلك لأن بناء الشخصيات من جهة تفاعلها النفسي مع الأحداث نفسها كان ضعيفًا. هذا في رأيي شكَّل نقطة ضعفٍ كبيرة في الأنمي، لا بدَّ أن تلاحظَ عزيزي القارئ أن هذه التفاعلات التي أذكرُها لا يقتصر تأثيرها على الحدثِ المتفاعَلِ معه نفسه، إنما يمتدّ فيمثل لك – شعرتَ أو لم تشعر – بروزًا وتجليًا أكبر لمعالم الشخصية مما يهيئك للتفاعل معها، ومن ثَمَّ يكون فقدان هذا الجانب متسبِّبًا في شيء من الضعف في علاقتك مع الشخصيات وارتباطك وتفاعلك وتعاطفك معها.

كلُّ هذا يمكن أن نضمَّه إلى مشكلة أخرى، قد تكون في بعض أمثلتها متولِّدةً منه، هي مشكلة تفاعل الشخصيات مع بعضِها البعض، التي تبدو أقربَ للميتة في بعضِ الأحيان (لا كلِّها)! وهذا عجيب، لأن العمل بطبيعته، ثم بإيحاءاته في مراحلة الأولى، يهيِّئُ لتفاعلٍ بين الشخصيَّات أشدّ كثافةً وعُمقًا وقوَّةً، وهذا الجانب – جانب التفاعل بين الشخصيات – أقرب للمهمل سوى في بعض المونولوجات!

(زيادة هامِشيَّة: طبعًا، فليكن السيِّدُ القارئ على علمٍ أنني لم آتِ بقصة “الملاك الأخير” تلك لأنها كانت سخافةً محضة، وزلة قبيحة، يكادُ المرء يشكّ أن من ألَّف إيفا نفسه ألَّف تلك السخافة، فلا بناء الشخصية فيها مقبول، ولا تفاعلها مع الشخصيات منطقي، ولا شيء في هذا الأمر منطقي، لذا فلنترك هذا الأمر جانبًا فهو نقطة سوداء تشعر الواحدَ منا بالبؤس لمجرد تذكرها!)

الوجه الثاني: قلنا إن إيفانجليون فيه شخصيات مميزة، ومن الواضح أنَّ الأفكار في إيفا فيها محاولة لتقديم رؤية عميقة، السؤال هنا: أوَّلًا: هل كانت هذه الأفكار عميقة حقًّا؟ ثمَّ: هل بين هذه الأفكار وبين الشخصيات صِلَة، أو أنها تلقى على أفواه الشخصيات حَشْوًا دونما صِلة حقيقيَّة؟

الحقّ أن بعضَ هذه الأفكار فيها تماسك وعمق، ودونَكم الحلقة الأخيرة حين الحديث عن الحُرِّية، وعدم إمكان تصوُّرِها دون حدود، وعن النفس ومعرفتها بواسطة الآخرين والتفاعل معهم (أما الكلام عن الحقيقة فليس بتلك الدرجة، بل فيه نوعٌ من الركاكة، وليس موضوعنا الآن الحديث عن الأفكار وتفصيلها وتقييمها فكرة فكرة والحديث عن كونها تمثل الشخصيات فحسب أم تمثل موقف مؤلف العمل)

والخلاصة أنَّ بعض هذه الأفكار جيِّد ومتماسك وقويّ، والآخر ليس كذلك، ومن المتفهم هذا التنوع في الأفكار المطروحة. ونأتي إذًا للسؤال الآخر: هل نجح العمل في خلق صلة بين الأفكار المطروحة والشخصيات أو بدَتْ كأنها مجرد أفكار يريد المؤلف إيصالها فيضعها – حشوًا – على لسان الشخصيات دونما صِلة؟

ما أراه أنَّ الأمر بَينَ بَيْن، فلا الصلة معدومة تمامًا، ولا هي قوية بين الأفكار والشخصيات، هناك ثغرة يمكنك أن تجدها في الأفكار المطروحة – تحديدًا على شكل مونولوجات – من جهة ارتباطها بالشخصيات، لا تبدو الصلة قوية إطلاقًا، يبدو فيها شيءٌ من الاختلاق، ليس تامًّا، ليس للحدِّ الذي يجعل الشخصيات تبدو بكاملها مختلقة.. أبدًا، لكن للحدّ الذي يشعرك بشيءٍ من ذلك.

لو جمعنا هذين الأمرين نجد أن بناء الشخصيات في إيفا ليس ضعيفًا، لكن فيه ضعف، لماذا؟ ذلك لأنَّ العالم الذي قدَّمه إيفا، ثم طبيعة الشخصيات المميزة التي قدَّمها، كانت تتوجب من المؤلف عملًا أكبر على هذه الجزئية، لكي تتناسب الجوانب مع بعضها فلا يتخلف أحدها عن الآخر.

بعبارةٍ أخرى أن طبيعة عمل كإيفا وشخصياتٍ كشخصياته، جعلت من الأمر أصعب بعض الشيء، ومن ثَمَّ لم يكن بناء الشخصيات في المجمل، لو أخذنا بكل الجوانب – في رأيي – خاليًا من نقاط الضعف، ولذا قلتُ في البداية إن علينا أن نمرَّ على مميزات هذا العمل لكي نفهم سلبيَّاته، وبهذا نفهمُ أن إيفا حقيقةً قدَّم لنا شخصيات مميزة، غيرَ أنه لم يعرف كيف يتعامل معها تمامًا، أي أنَّه كان بالإمكان أن يكون عملًا أفضل من هذا بكثير، خصوصًا إن تنبَّهنا إلى أن إيفا أساسًا يعتمد على الشخصيات اعتمادًا كبيرًا.

الوجه الثالث: السيناريو.. في كلِّ عملٍ تتأثر الأحداث بالشخصيات، والعكس، وإذًا فإن من الطبيعيِّ أنَّ كون الشخصيات في بنائها مشاكل، سيؤثر في السيناريو.. فحقيقة أنَّ تفاعل الشخصية الفلانية مع الحدث الفلاني ضعيف، يعني أنَّ هنالك أحداثًا لازِمةً لم يتعرض لها العمل، مما خلقَ ثغراتٍ في الحَبْكة باتت تتراكم بعضها فوق بعض. وأكرر ما ذكرت سابقًا من أنَّ قصدي بالسيناريو ليس “النهاية”، التي لم يكن بها بأس في رأيي، غير أنَّ ما أعنيه أعمّ من ذلك، أي مسار الأحداث عمومًا من جهة كونها مؤثِّرةً ومتأثِّرةً بالشخصيات.

فيما يتعلّق بالجانب الرمزي، والتكنولوجي، والعلمي، وكذلك بعض الأفكار، أعتقد أن هذا الأنمي يستحقّ أن يُشاهَد مرَّةً أخرى لإلقاء نظرةٍ أكثر فحصًا عليها، أو لتحليلها بصورة أكثر كثافة، خصوصًا مع زيادة الوعي بطبيعة الرّموز التي يقدِّمها الأنمي والمستوى التكنولوجي الذي يتحدث عنه. وهكذا نصل وإياكم إلى ختام هذه التدوينة، ولأني مُتعبٌ لن أكلِّف نفسيَ كتابة خِتاميَّة، الساوندتراك ممتاز، الـOP أيقونية. تقييمي للعمل: 8.5/10 

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *