فلنحبَّ جميعًا لاين! – Serial Experiments Lain

أهلًا بكم.. كثيرًا ما أبدأ التدوينةَ بقصّة مختصرة، لكنْ هذه المرّة لن يكون الأمر كالمرّات السابقة، ذلك أنَّ هذا العمل ينبغي أن لا تطّلِعَ على شيءٍ يُدعى قصّة قبل أن تشاهده، ولا أعني من جِهة أنه سيفسد عليك بعض الأحداث فقط، فهذا – في هذه الحالة – أمرٌ هامشيّ، بل ما أعنيه بالتحديد هو أن قراءة “قصّة” لمثلِ هذا العمل قبل مشاهدته سيوقعك في تسطيح العمل، ويوقع عقلك في التوجيه، فالأجدر بكَ إذًا أن تقتحم هذا العالم مباشرةً، إن جاز التعبير!

وأما ما أُريد الحديث عنه بالتّحديد في هذه المراجعة، فلا أدري ماذا يمكن أن أطلقَ عليه، هل أقول: هو انطباع عام؟ الواقع أنه ليس وصفًا دقيقًا، لذا سأعفي نفسي – وليعفِني القارئ الكريم أيضًا – من التسمية، وسأبدأ مباشرةً.

أعتقد أن هذا العمل واحد من الأعمال الخطيرة التي لم يعطِها أحدٌ الانتباه الكافي، فهذا العمل مكانته خطيرة بل ويمكن نعته بالثوريّة، فهو يؤسس لمفهومين أحدهما يرتبط للآخر: الأوّل هو تأثير العالم الافتراضي على حياتنا الواقعيّة، والعلاقة الجدليّة بينهما، والثاني هو الوعي الجمعي، وقولي إنهما مرتبطان ببعضهما يعني أن العمل يطرح رؤية مفادها أن الوعي الجمعيّ مؤسس على هذا العالم الافتراضي، أو – لا أقلّ – فإنه متأثر به تأثّرًا شديدًا!

وأظنّ أنه لو انتبه له المؤلِّفون والنقّاد خاصّةً، والمتابعون عامَّةً، فسيشكل هذا مسارًا جديدًا في هذه النوعية من الأعمال المعالِجة لمثلِ هذه القضايا، التي اعتدنا في معالجاتها المنتشرة على شيء من الابتذال أو التكرار، أو المستوى العاديّ الأقرب للسطحية.

يُلاحظ في العمل أنه يُعالج هذه القضيّة بصورة فيها شيء من السوداوية، وواقعيّة مؤكدةٍ في بعض جوانبها، محتَمَلةٍ في بعض جوانبها الأخرى، بعيدةٍ تمامًا عن الابتذال والتكرار، بل ولا يتناولها من الجانب الاجتماعي تحديدًا بل يتناولها برؤية كونية عامة تعمّ جميع الجوانب ولا يقصر الأمر – كما هو المعتاد – على الجانب الاجتماعي والتواصلي بل إن هذا الجانب هامشيّ، وأقرب إلى أن يكون نتيجةً لغيره، في هذا العمل! فهذا العمل يعرِضُ لقضيّة انهيار الحواجز بين العالمَيْن، بصورة مبتكرةٍ لم نرَها مسبقًا.

ولا أعني بالسوداوية ذلك الجوّ الظلاميّ الذي يسيطر على بعض الأعمال فحسب، بل ما أعنيه أيضًا أن الفكرة التي يقدّمها هذا العمل، أي الرؤية التي يتبناها المؤلّف، بالنظر إلى التأثير الذي تُحدِثه على المشاهد – أو عليَّ على الأقل – يجعلكَ تنفتح على كمية هائلة من الأفكار المخيفة التي لم تكن منتبهًا لها، بل ويمكن وصفُ المعالجة هذه بالجنونيّة بدلًا من السوداوية فيما أجد، ولا مبالغة في ذلك!

ذلك أن المشاهد لهذا العمل سيجد كيف أن الأفكار المتشابكة المترابطة التي جمعها المؤلف في دماغهِ ليخرج لنا هذا العمل مذهلة ومدهشة تدفعك للاستغراب والتساؤل: كيف فكّر بهذه الصورة؟! كيف خطر على باله مثلُ هذا؟! وقد لا أكون أجدتُ الوصف، لكن المشاهد للعمل سيجد مِصداق ذلك جليًّا واضحًا إن شاء الله.

كما لا أعني بالواقعيّة ما قد يُفهم من مطابقة المضمون للأمر الحادث في الواقع، وإنما الذي أعنيه: واقعيّة الأساس الذي دفع المؤلِّف لمثلِ هذه النّظرة والتوليفة الرهيبة من الأفكار، وإن كانت الأفكار بالصورة المتضخّمة الناتجة من ذلك الأساس، تتوسّل أسلوب الخيال والخيال العلمي على طول الخطّ.

يُلاحظ كذلك في العمل كثرة الحوارات العميقة المرتبطة بالفكرةِ نفسها، وقد أعرض بعضها مقتبسًا مع نقاشٍ لمحتواها أو دونه في بعض تغريداتي القادمة، كما أن تصوير الحالة النفسيّة التي يخلقها مثلُ هذا العالم وهذا الوضع العالمي، وهذه الحالة الفكرية العامة المتسلطة على جميع البشر الذين يعيشون في العصر الذي يعرض له العمل، أقول: تصوير هذه الحالة النفسيّة رائع جدًا ومتقن.

لستُ من المتخصصين في قضايا الإخراج لكنني سبق أن نبهت إلى أنني لاحظت في بعض الأعمال، ومنها هذا، أن الصورة (وإن شئتَ سمِّها: الكاميرا الافتراضية) لا تتركز على نطاقٍ واسع، بل نجدها تركز على نطاقٍ ضيّق، وهذا – في هذه الحالة – بالإضافة إلى تعزيزه لشعور المتابع، وإضفائه جوًّا خاصًّا وغامضًا (إضافةً إلى الغموض في القصّة والأحداث أصلًا)، فإنه قد يعزز صورة الانغلاق على العالم الافتراضي والانقياد له والتلبّس به بل ومركزيّته الواضحة! والرّسم رائع وخلّاب!

يشوب العملَ رغم ذلك اختزالٌ، وقد يُناقش فيه: هل هو اختزالٌ مخلّ أم لا؟ والحقيقة أنني لا يمكنني أن أجزم، فحين أنظر لجهات معيّنة أجده كذلك، فالعمل – مثلًا – قابلٌ لمزيدٍ من التفصيل والبسطِ اللذان لو نالهما لزادت مادته غزارةً وقوّةً وتماسكًا، لكن حين أنظر إلى الشعور الذي تخرج به، إلى الانطباع النفسي – إن صحّ التعبير – الذي يحصل بعد الانتهاء، تجدُ أنَّه لعلّه ما كان ليكون لولا هذا الأسلوب المختزل!

وأظنه اختزالًا مقصودًا في الحالتين، وقد يُقال إن العمل فيه نوعٌ من الاضطراب والتشويش، لكن ليس هذا عندي سلبيّةً لأنه ليس اضطرابًا وتشويشًا ناتجًا من سوء إدارة المؤلِّف للأحداث أو معالجته للفكرة، بل هو ناتج من جو الغموض العام الذي أشرنا إليه آنفًا، وإذًا فهو تشوُّش انفعالي في ذهن المشاهد، واضطراب يحدث له ليفكر.

كما قد يُقال إن العمل لم يُعطِ الشخصيات حقّها، وهذا في نظري غير سليم، لأن هذا العمل يتمركز حول شخصية واحدة، وكثيرٌ من الأعمال – بصورة متفاوتة حسبما يؤدي الغرض – تنتهج هذا النهج، وهو نهج ليس جيّدًا وليس سيّئًا في حدّ ذاته، بل ما يحدّد ذلك هو التطبيق، وأرى أن التطبيق في هذه الحالة جعله مميّزًا! فقد كان بناء شخصية البطلة قويًّا، وشخصيّتها بذاتها مميزة ومثيرةٌ جدًا للاهتمام، أعجبتني كثيرًا.

لعلّ السلبيّة التي أراها في هذا العمل هو أن بناءَ الجانب الدراميّ العاطفي تحديدًا كان قاصرًا بعض الشيء، ولا يصح في رأيي أن يقول أحدٌ: إن العمل ليس عاطفيًا، فصحيح أنّ الدراما لا تحتلّ جانبًا رئيسيًا فيه، إلا أن هنالك محاورَ هامّة أساسها هذا الجانب والمشاهد سيجدُ ذلك خصوصًا في النهاية، وأعتقد أنها كانت تحتاج لكثافة درامية أكبر ولمادّة أقوى، ولا أقول إنها سيئة، أبدًا، ولكن أقول إنها قاصرة بعض الشيء. وأما السيناريو فممتاز ومُتقَن.

[أقول بعد أكثر من 6 أشهر من تاريخ كتابة هذه التدوينة الأصليّ: إنني لستُ واثِقًا من الانتقاد المذكور أعلاه، وسأعيد مشاهدة الأنمي في وقت لاحق للتعمّق فيه أكثر والحكم عليه بصورة أفضل.]

الخلاصة أنه عمل عظيم يستحقّ التقدير والإعجاب بشدّة، وأدعو لمتابعته، لن أطيل كثيرًا في الكلام عن تفاصيله وسأترك لكم معاينتها بعد هذا البيان المختصر. وأما التقييم فـ: 9 إلى 9.5/10

ختامًا.. لمن يتساءل، فالعنوان الذي اخترته اقتباس ستعرِفون قصّته حين تشاهدون العمل، والسلام.

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *