السانغاتسو – علاقة “الأخوين”: نظرة تحليلية

 أهلًا بكم، كنت قد وعدتُ في مراجعتي لهذا الأنمي بكتابة عدة مواضيعَ عن السانغاتسو، تتضمن العناصر القصصية التي تم توظيفها في السياق الدرامي العام، ولذا، هذا الموضوع – على عكس المراجعة التي كانت عامةً – سيكون متخصصًا في إطار العمل، بمعنى آخر عليك أن تشاهد العمل لكي تعرف ما أتحدث عنه.

قد لا يشعر غير المُتابع بأهمية طرحٍ كهذا، لكنّ من تابع هذا الأنمي يعرف تمام المعرفة ما يكتنف هذه العلاقة من تعقيدات وأمور قد تحجب الفهم الصحيح، بناءً على سياق العمل الذي تعمد جعل الغموض منهجًا له في هذه العلاقة منذ أول إرهاص بإظهار حقيقة العلاقة. وقبل أن أطرح مقاربتي التحليلية في هذا الإطار، علينا أن أقدّم لها برؤية عامة.

عرفنا في مرحلةٍ ما أن (ري) فقد عائلته كلها، في حادثٍ مؤسف، وعليه فقد تمّ تبنيه، وعائلته الجديدة كانت مؤلفة من أخٍ وأخته مع الأب والأم، طرحت المؤلفة هذه القضية في سياق زمني غير متصل، وبمعنى أوضح أحداث غير مرتبة ترتيبًا زمنيًا، وهي طريقة معروفة لاستجلاب اهتمام المشاهد.

لكن اللافتَ للنظر، هو تعمّد إيصال فكرة محددة للمشاهد مع وجود معارضاتها، فأول ما يتبادر للذهن من رؤية هذه العلاقة هي كره (كيوكو) لـ (ري)، لكن اللافت للنظر أن أول مشهدين في هذه العلاقة متعارضين تمامًا. لكي نوضح ذلك، علينا أن نتذكر المشاهد، فأوّل صور ظهرت في الأنمي هي هذه: 

 وقد شكّل التصعيد في إظهار العلاقة، نقل الإرهاص من مجرد صورة، إلى مشهدٍ قريب إلى التام، حين تحادث (كيوكو) (ري) بصورة تهجمية، وجارحة: 

 اللافت في هذين المشهدين، هو التطور الذي ظهر على هيئة (ري) والذي يعكس التطور في الشخصية الذي خضعت له هذه الشخصية بين المشهدين الأوّل والثاني، وقد قمنا بإدراج كلا هذين المشهدين ضمن التقديم لسببين:

1) لكي نستطيع لاحقًا حين نتعرض لمراحل هذه العلاقة أن نقارب الفترة التي صدرت فيها (كيوكو) عن هذين التصرفين، سواء كانت فترة واحدة أو فترتين مختلفتين.

2) لأنهما أول ما ظهر في هذه العلاقة، وقدّم بهما الأنمي للتعرّض التفصيلي لاحقًا للقاء الشخصيتين، وما تخلل علاقتهما من مشاكل وإشكاليّات.

سندخل في التحليل عبر مراحل العلاقات لاحقًا، لكن قبل ذلك أيضًا علينا أن نوضح شيئين مهمين، أولًا: إن فهم طبيعة هذه العلاقة لا بدّ أن يكون مبنيًا على فهم عميق لشخصية (كيوكو) وتركيبتها النفسية والعقلية، لأنّه ما لم يحصل ذلك فإن كل شيء سيبدو متناقضًا تمامًا ظاهرًا.

ثانيًا: إن الترتيب الزمني الذي سنقترحه هو ترتيب على أساس المراحل الزمنية وليس على مرحلة الظهور في القصة، فكلنا نعرف أن ظهور هذه العلاقة خضع – لأسبابٍ درامية – للتقديم والتأخير، وليس يعنينا هنا في التحليل أن نلتزم بالتقديم والتأخير. سنشرع الآن في طرح المراحل الزمنية.

المرحلة الأولى: مرحلة اللقاء والصراع

 يمكننا القول إن هذه المرحلة هي المرحلة التي سببت سوء فهمٍ للعلاقة عند الكثير من المشاهدين، ليس بسبب الصّراع الذي حصل بين (كيوكو) وبين الوافد الجديد فحسب، فهذا كان طبيعيًا، لكن بسبب القرائن التي ظهرت بعد ذلك مما سنتعرض له أثناء حديثنا عن المرحلة الثالثة، هذا سبب السؤال الأكبر؟ هل (كيوكو) تكرهه؟

الوجه العام لهذه المرحلة يطرح رؤية لا تشكّ في المشاكل الكبيرة التي تكتنفها هذه العلاقة، ضرب وصراخ، المُشاهد كره (كيوكو) في هذه المرحلة، لكن علينا أن ننظر للأمر نظرةً أعمق، لم تكن العدوانية الناشئة من (كيوكو) تجاه الوافد الجديد اعتباطية وعبثية، فهذه الفتاة كما عرّفها (ري) نفسه تملك شخصيةً قوية جدًا، وعزز ذلك كونها الأخت الكبرى، وحين قدم الوافد الجديد، تفوّق عليها في أعلى الأمور التي تقرّبها من والدها [لعبة الشوغي].

ظهور (ري) في هذه المرحلة كان بمثابة السارق، ففي نظر (كيوكو)، الوافد الجديد سرق والدها منها، وانتهى به الأمر إلى سحب دعمه وتشجيعه لها ولأخيها الحقيقيّ البيولوجي فيما يتعلق باللعبة، هذا شكّل عدوانية شديدة طبيعيةً خلال هذه المرحلة، ولم تكن مستغربة، لكن العمل الذي بُني على جعلك تتعاطف مع (ري) دفعك دفعًا إلى استنكار أفعال الأخت.

يمكننا أن نقول، وهذا تحليلنا، إن المشهد الأوّل الذي عرضنا له قبل أن ندخل في هذه المرحلة، يمثّل إرادة المؤلفة أو المخرج، إرادة كبح استنتاجاتك كمشاهد، ففي الوقت الذي تظهر لك العلاقة بشكل عدوانيّ جدًا من الأخت الكبرى، تثبُت صورة المشهد الأول، بما يُفترض أن يكون كابحًا يجعلك تعلّق حكمك على هذه العلاقة بالكراهية أو العدوانية.

وعدنا بأن نتطرق إلى الفترة التي فيها صدرت (كيوكو) عن هذه التصرفات الظاهرة في المشهدين الأولين، ويمكننا الترجيح – إن لم نقطع – أن كلا المشهدين لم يكونا في هذه المرحلة، فالاستفزاز الذي ظهرت به الأخت الكبرى في المشهد الثاني لا يوافق طبيعة هذه المرحلة القائمة على العدوانية الصرفة التي تصل إلى حدّ الالتحام الجسدي، لا الاستفزاز، إضافة إلى كون (ري) يمتلك حينها شخصية متطورة لا يمكن أن تكون ظهرت في هذه المرحلة، هل يمكن أن يكون المشهد رمزي غير حقيقي وُظّف في سياق دراميّ؟ نعم لا مانع.

هذا فيما يخصّ الثاني، أما الأوّل فأمره أوضح من ذلك فالمشهد منسلخ تمامًا عن الطبيعة التي تميزت بها هذه المرحلة. وإلى هنا نكون قد انتهينا من هذه المرحلة من العلاقة، والإطار المكاني لها كان بيت (كودا)، وسط عائلة (ري) الجديدة. لا بدّ أن نضيف أن مكوث (ري) في منزل أبيه بالتبني، دام عشر سنين، وبالتالي فإن حصر علاقة الأخوين في العدوانية التي ظهرت في هذه المرحلة، حتى في ظلّ عيشهما معًا، حصر غير صحيح.

المرحلة الثانية: مرحلة الانسجام والرحيل

 تم التطرّق لهذه المرحلة في سير العمل بعد التطرق للمرحلة الثالثة، هذه المرحلة من شأنها أن تحدث تبدلًا شاملًا في الرؤية حول طبيعة العلاقة بين الأخوين، ففي هذه المرحلة تظهر (كيوكو) متعلقة كثيرًا بـ(ري) ومحبةً له، في الصورة الأولى تظهر وهي تعطيه المظلة كي لا يتبلل بالمطر، حنان الأخت في الاهتمام بأخيها هنا واضح جدًا.

واللافت للنظر في هذه الصورة هو كونهما صغيران، مما يعني أن هذا التطور في العلاقة المتمثل بالتعايش والانسجام حصل في فترة أقصر مما كنا نعتقد، فقد بدأت تحبه وتتعايش معه في فترة مبكرة من العشر سنوات نسبيًا. وتظهر كيوكو في الصورة الثانية حزينةً ومتشبثة بـ(ري)، فقد أصبح هذا الأخير أكثر من مجرد أخٍ، أصبح مكانًا للمواساة، وأصبح صديقًا.

الصورة الثالثة هي صورة متعلقة بالرحيل، هذا الرحيل كان منويًا من الأخ، بعد أن شعر بالذنب الذي جعله يصوّر نفسه كطائر الكوكو، كأنه سرق مكان أخته وأخيه، وسرّع في قراره هذا محاولة أخته للهرب والرحيل نتيجةً حتميةً للصراع في المرحلة الأولى، وجاء رحيل الأخ مانعًا مؤقتًا من رحيل الأخت.

تتبدّل طبيعة العلاقة في هذه المرحلة من العدوانية إلى التعلق الشديد، ولذا فنحن نرجح أن الصورة الأولى كانت في هذه المرحلة، بعد فترة الصورة الأولى التي وضعناها في هذه المرحلة. يمكننا أن نعتبر هذه المرحلة زمنيًا فترة المصالحة، وهي المرحلة التي أحدثت النقلة وسدت الفجوة بين الوقت الحاضر وبداية اللقاء.

نالت هذه المرحلة أقل تعرّضٍ في الأنمي، فقد جاءت بعد التعرض للمرحلتين الأولى والثالثة، وهي تبدأ في وقتٍ ما خلال العشر سنوات، وتنتهي برحيل (ري) وقراره للسكن وحده نتيجة شعوره بالذنب.

المرحلة الثالثة: مرحلة الحاضر

كما هو واضحٌ من الاسم، هذه هي المرحلة الحالية في العلاقة، وفيها تظهر المتناقضات التي كما أسلفنا هي متناقضات في الظاهر فقط، وليست هذه المرحلة بحاجة إلى عرضٍ مفصل كما فعلنا في المرحلتين السابقتين لسبب بسيط وهو أن المشاهد مرتبط بهذه المرحلة تمامًا ويراها في سياقها الطبيعي: الأحداث الحاضرة.

لذا فعلينا هنا أن نحل التناقض الذي يظهر، فمن جهة تظهر دلالات على استمرار التعلق الشديد بين الأخ وأخته، عزز هذه الدلالات في رأينا طرح المرحلة الثانية وفقًا لسير الأنمي تاليًا لهذه المرحلة. فمن هذه الدلالات مثلًا: 1) زيارتها المستمرة له في الوقت الذي تقاطع فيه عائلتها. 2) اهتمامها الشديد به، الذي لا يحتاج للإطالة فيه، فالصورتان الأوليتان تظهر ذلك والمشاهد لا بدّ أنه تنبه للأمر. 3) إفضاؤها له بحزنها ومعاناتها، الأمر الذي نعرف أنه لا يحصل إلا لشخص تثق فيه وتشعر بالقرب منه. 4) شعور (ري) بالغضب الشديد حين تُذكر بسوء، وقصة غوتو خير مثال على ذلك، وكما نعلم فإن هذه ليست عادته، فهو في العادة شخصٌ هادئ.

في مقابل ذلك، تظهر علامات تدلّ على الصراع بل على الكراهية ظاهرًا، أبرزها الاستفزاز الدائم له بتذكيره بالمرحلة الأولى، وبالأمور الأخرى، نذكر كمثال ما حدث في الحلقة 10 من الانفجار العاطفي الذي ولّد مشهدًا من أعظم المشاهد في الأنمي. والمشهد الثاني الذي ذكرناه في المقدمة، إن لم يكن رمزيًا، فهو بالتأكيد حدث في هذه المرحلة، فاستفزازها له يحدث باستمرار في هذه المرحلة.

وتأتي هنا الإشكالية، وهي حل التناقض، والسؤال كيف يمكن دفع هذا التناقض الكبير بين التصرفات؟ الجواب هو أن هذه الاستفزازات التي تظهر من (كيوكو) تجاه (ري) ليست تعبيرًا من الكراهية، بل على العكس هي تعبير عن الحبّ والتعلّق، فمن ناحية يمكن القول إنها نتيجة طبيعية للتاريخ الحافل الذي تشكّلت معالمه في المرحلتين الأولى والثانية وما فيهما من تطور كبير، ومن ناحية أخرى تُعدّ طريقة الاستفزاز هذه هي تعبير عن المشاعر القوية التي تربطهما.

نلاحظ أن (ري) في كل الاستفزازات التي تصل إلى حدٍ جارح، يواجهها بشكل هادئ وبارد إلى حدّ كبير، مما يجعل صدور (كيوكو) عن هذه الاستفزازات بشكل مستمرّ تفاعلًا مقبولًا في الحدود والأُطر التي تجمع هذين الأخوين. علينا أن نعي أن علاقة (ري) و (كيوكو) ليست علاقةً عادية، وبالتالي فإن التعبير عن التعلّق بالطرق المعتادة ودون أي غموض وجدران فاصلة ليس معيارًا للحكم على هذه العلاقة لأنها مختلفة تمامًا، ومما سبق نستنتج أن الاستفزاز المستمر ما هو إلا دلالة خامسة من الدلالات التي ذكرناها قبل قليل.

إن هذا التوجيه يفسر لنا بشكل واضح طبيعة العلاقة أولًا، ويزيل التناقض الظاهر في التصرفات ثانيًا، ويمكن القول إن طبيعة شخصية كيوكو الناشئة من السرعة الكبيرة في حدوث التطورات وتعدد المسارات في حياتها، وقوتها وصلابتها مجموعةً مع شخصيتها الأنثوية الظاهرة، أقول: يمكن القول إن هذه الطبيعة ساهمت في ظهور هذه العلاقة المعقدة والتناقض الظاهر، الذي يتحمله (ري) عالمًا بذلك بصورة مستمرّة.

الأثر الدراميّ للعلاقة في سياق القصة

نصل بهذا إلى واحد من أسباب كتابة هذا الموضوع، وهو الأثر للدراميّ لهذه العلاقة، ولكي نضعه في صيغة سؤال نقول: ما هي القيمة الدرامية لهذه العلاقة في سياق القصة؟ أيّ بماذا خدمت القصة؟

إن الجواب عن هذا يحتاج استذكارًا سريعًا لمركزية (ري) في القصة، نلاحظ أن السانغاتسو من نوعية الأعمال التي صحيح أنها تركز على جمع من الشخصيات المهمة مع Backstory لكل واحدة، إلا إنها تتميز بشمل الشخصية الرئيسية بتركيز أكبر وجعل بقية الشخصيات تدور في دائرته. تمثل (كيوكو) خطًا قريبًا من البطل، إضافةً إلى ذلك.. الأهمية الكبيرة لماضي (ري) وارتباطها بهذا الماضي بصورة أساسية.

يتميز التعقيد الذي أطّر هذه العلاقة بالموضوعية، مما يعكس انعدامًا تامًا في الميلودراما والمبالغات والخوارق، ويعكس في المقابل واقعيةً وبناءً دراميًا صحيحًا، يظهر جليًا في التطورات في المراحل الثلاث. أغنت العلاقة لكلّ هذا العمل بكمٍ لا يُستهان به من الدراما الواقعية، وشكلت عنصرًا قصصيًا رائعًا جعل المشاهد ينشدّ له وينتظر المزيد حوله طيلة متابعته، دون كلل ولا ملل.

ولكي أخصص الحديث، فأنا شخصيًا ألاحظ أن كل اللحظات التي ارتبطت بـ(كيوكو) كانت قوية ورائعة وأغنت القصة، ذلك راجع للطبيعة الكاريزمية لشخصيتها وحضورها القوي، التي تعكس بناءً موفقًا جدًا من المؤلفة، شأنه في ذلك شأن بناء شخصية البطل، وإلى التعقيد والغَناء اللذين اكتنزت بهما هذه العلاقة المتطورة، كل ذلك يحدث وسط توازن العناصر القصصية المتفاعلة مع البطل، مما يجعل هذا العمل واحدًا من أكثر الأعمال إتقانًا التي شاهدتها طوال مسيرتي.!

3 تعليقات

  1. بطل بطل
    الا التدوينة ذي واحدة من افضل التدوينات اللي قد شفتها

    شغل مرتب وشرح جميل ,ولو اني اختلف معك اختلاف بسيط …لكن عموما استمتعت بالقراءة حقيقة
    استمر .

  2. بغض النظر عن مدى عمق علاقة الاخوين لكن لا اتفق على انها علاقة طبيعية ولا اقصد هنا انها مثل العلاقات الأخرى بل كونها جيدة
    كون ري يتصرف مع استفزازها ببرود لا يعني انه لا يتأثر من كلامها هذا الشيء نلحظه بمحاولة اشعاره بالذنب في كل مرة ينافس احدهم بالجزء الأول مثل الأب الذي يخسر فبالمقابل يكثر الشرب ويصبح عنيف مع ابنته ونلحظ تردد ري وشعوره بالذنب بسبب كلماتها
    العلاقة التي تجمعهم هي علاقة سامة هذا لا يلغي انهم يحبون بعضهم بالفعل ولكن يوجد طرف يتصرف بشكل سيء وطرف يتلقى الأذى مع استمراره هذه العلاقة
    ارى سبب استمرار ري بدون وضع حدود هو شعوره بالذنب وثم العلاقة التي تربطهم كأخوة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *