هذه جُملةُ تعليقاتٌ تحليليَّة كتبتُها على ضوء مشاهدتي للموسم الثاني من السلايم، لا تتناوَلُ العملَ من وجهة نظَرٍ كُليَّة؛ فإنَّي قَد فرغتُ من ذلك في مقالتي التحليليَّة عن العمل، بل تتناوَلُ ما يُمكن أن يُرى في هذا الموسم من مصاديقِ تلك الجودةِ التي أوضحتُها في مقالتي هُناك، وسيتركَّزُ على الحدَثِ الذي دارَ حوله الموسم: حرب الحُلفاء (فالموث والكنيسة) ضدّ اتّحاديّة جورا تيمبست.
أكثر شيء أعجبني في هذا الموسم هو التوازن بين الجرأة وبين الحفاظ على انسجام العالم والقصَّة. هذا الجزء من الموسم تمحور حول حادثة هجوم حِلف فالموث على اتّحاديَّة جورا. لو دقَّقنا في الموسم سنجِدُ في جانب الجرأة:
- إظهار مشهد هجوم فالموث على العاصمة تيمبست وقتلهم الكثير.
- مقتل شيون (إحدى أهم الشخصيات)
- تطوّر شخصية ريمورو وأهدافه: المذبحة التي ارتكبها في الخصوم ليتمكن من التطوّر إلى سيِّدٍ شيطان Demon Lord.
كل واحدة من هذه النقاط تستدعي وقفةً لنوضّح كيف وصل العمل إلى التوازن بينها وبين الحفاظ على انسجام القصّة والعالم؛ وأعني بالانسجام: انبناء أحداث العمل على قانون الحتميَّة أو الاحتمال (للمزيد راجع: سلسلة الحبكة في هذه المدوَّنة) وما ذكرتُه سابقًا (في تدوينتي التحليلية لهذا الأنمي) من اللعب على الحدود وانسجام العالم.
لو جئنا إلى النقطة الأولى فسنجد أنّها يمكن دمجها مع النقطة الثانية من ناحية تأثيرها على البطل، حين رأى ريمورو ما حصل لأهل مملكته، كان يودّ دفنهم في داخله، قبل أن تأتيَ الأخبار بإمكانية إحيائهم. لا بُدّ من الالتفات إلى قضيَّة مهمّة في هذا الشأن: هل كان سياق مقتل شيون وأهل العاصمة في الأنمي سياقَ وداع؟ لا.
كان واضحًا أن السياق لا يحتمل قتل شخصيَّة بأهميَّة شيون في هذا الوقت، لذلك كان واضحًا أنّ مقتلها ليس نهاية المطاف فيما يخصُّها، تأكَّدَ هذا أكثر حين برزت إمكانيَّة إحيائهم، الجرأة كامنة في كون المؤلِّف أظهر مشهدًا بهذه القوّة، أظهر تضحيةً بهذه القوّة، لكن لو ترك الأمرَ على ما هو عليه، لكان نقصًا ظاهرًا.
في مثل هذه النوعية من الأعمال، حين تموت شخصية، لا تُقتل بهذا الأسلوب، بحيث لا يرى المشاهد مشهد موتها أصلًا، نعم كان وقوف ريمورو على جثتها مؤثِّرًا، وكذلك كلامُه مع نفسه وهو واقف، هذا التوازن البديع كان لافتًا للنظر، هذا أجلى مصاديق تطبيق قانون الحتميَّة أو الاحتمال، ويظهر لك به أيضًا ماذا كنت أقصد حين كنت أقول: إن كلمة “الاحتمال” في القانون لا تعني الاحتمال العقلي المحض، بل الاحتمال المبنيّ على سياق القصّة وما تحتمله.
هنا تجدُرُ الإشارةُ إلى أن حادثة الموت هذه، رغم وضوح حتميَّة التراجع عنها لاحقًا (أو ما يشبه الحتم على الأقلّ) فإنَّها (أعني: حادثة الموت) كان لها تأثيرٌ في القصَّة وعلى المشاهد، خِلافًا لأعمال تقتل شخصياتها بكثرة بداعي “الجرأة” المزعومة، دون أن يكون لهذه التضحيات قيمة للقصَّة أو تأثير على المشاهد= وأقوى بكثير من أعمال أخرى لا تقتل شخصيَّاتها لمجرَّد “الجرأة” المزعومة، لكنّها أقلّ جودةً من هذا، رغم أنه يكون قتلًا أبديًّا! وهذا يوضح لك أن التأثير في المشاهد ليس في التضحية في ذاتها، بل في كيفيَّتها وبنائها.
شيءٌ آخر تجدُرُ ملاحظته في هذا المقام، هو أنّ هذا الإحياء، على أنه متوقَّع أوَّلًا وحاصلٌ ثانيًا، هُو مشروط بظروف صعبة التحقُّق، وكان له ثمن باهض، وهذا فوق كونِه بذاته دافِعًا للقصَّة إلى مزيدٍ من الأحداث المُترتِّبِ بعضُها على بعضٍ، يوضح لك أن تكرار شيء كهذا صعب جدًّا إن لم يكن متعذِّرًا البتَّة.
وبقولي: (دافعًا للقصَّة) تجدُرُ الإشارةُ إلى شيء آخر أيضًا، هو أنَّ كلَّ شخصيَّة تموتُ في هذا العمل حالةٌ مدروسة بعناية، ومدروسةٌ وظيفةُ موتِها التي تؤدِّيها في القصَّة، أو تأثيرُها على المشاهد، أو كلاهما. في بدايةِ العمل، حين قَتَل ريمورو وحوشَ الكهف، أثَّر ذلك أثَرًا نراه إلى آخر الحلقات التي نُشاهدُها في قُدُرات ريمورو. حين قَتَل ريمورو زعيم الذِّئاب أحدَثَ تطوُّرًا في القصَّة ودَفَعها للأمام، وعرَّفَنا أيضًا شخصيَّتَه واستعدادَه لهذا الفِعل. وكَذَا مذبحة جيش الحُلفاء، أثَّرَتْ في ريمورو معنويًّا وجسديًّا إلى حدٍّ كبير. في هذا السِّياق: جاءت حادثة مقتل شيون وأهل العاصمة.
كونُ العملِ يعتمدُ على ثيمة النهايات الجميلة، لم يحل بينه وبين إدخال جانب الكآبة والحزن والقسوة على العمل، هذا لا يظهر فيما سبق ذكرُه فقط، بل يظهر أيضًا في المرحلة التي تَلتْها: ريمورو يصمِّم على ارتكاب مذبحة في الخصم، لمَ؟ لأجل الانتقام؟ ليس هذا هو الغرض الأساس.
ريمورو عرف أنَّ قتل هذا العدد (10 آلاف) من الخصم كفيل بتطويره، ووجد أن الخصم مستحقٌّ لهذا لكونه المبادرَ بالهجوم، وهذا ردع لغيره، ووجدَ أن هذه الخطوة مفيدة أيضًا لأنها ستجعل دولته مرهوبة الجانب مما يهيئ لتحقيق هدفه: توفير بيئة تستطيع فيها الأعراق المختلفة العيش، ودفع الآخرين إلى اختيار أسلوب التعايش بدلًا من العُنف. وهذا سبب تخطيطه: لا لفترة القتال فحسب، بل إلى القادم في مملكة فالموث.
هذه جرأة وانسجام؛ لأنّ المؤلِّف -مرة أخرى- استطاع أن يبنيَ على أساسات شخصيَّة ريمورو لَبِنَةً جديدة في سياق تطوير شخصيَّته، ريمورو رابط الجأش، لأنه ناضج أصلًا فتأقلَم بسرعة مُعتبَرة مع العالم الجديد، وهو إلى ذلك خَيِّر في طبيعته مُحبٌّ لغيره ولأصدقائه. لم يتردَّد ريمورو في فعله الذي أقدَمَ عليه، بل أقدَمَ عليه وهو راضٍ عن نفسه تمام الرِّضا، لأنه يرى الحقَّ معه في كلِّ ما يفعل وإن تضمَّن ارتكاب مذبحة في جيش الحُلفاء. ههنا الجرأة، وههنا الانسجام أيضًا.
كلّ هذا يصبُّ في ما تحدَّثتُ عنه أيضًا حول قوَّة شخصيَّة ريمورو، أحد شخصيَّاتي المفضَّلة على الإطلاق، وأيضًا حول انسجام العالم.
رُدَّت شيون إلى الحياة، ورُدَّ معها المذبوحون، لأن سياق الحدَث الذي مات فيه هؤلاء لم يكن سياقَ مأساة دائمة، هذا إضافةً إلى ما لاحَ من لومِ بعضِ أهلِ العاصمة لريمورو: فهو من أوصاهم بوصيَّة خاصّة حول البشر، ولم يكن من المُناسب سياقيًّا -الآن على الأقل- أن تتحوّل نظرةُ أهل المملكة إلى ريمورو من نظرةٍ إيمان تام إلى نظرة تذمُّر وتبرُّم، فلم يكن مناسبًا أن يموت أهاليهم موتًا دائمًا بسبب هذه القاعدة التي وضعها ريمورو، فضلًا عن موت شيون الذي هو أوضح من هذا.
هكذا كان الأمرُ؛ لدينا من جهةٍ أوامر ريمورو بخصوص البشر، التي أدَّت إلى إحساسه بالذَّنب حين وُوجِه بالواقع الصَّادم أمامه= وتشكُّل الدَّافع إلى تغييرِ السُّلوك تجاه العالم والبشر، متمثِّلًا (أعني الدَّافع) في مقتل شيون، ومذبحة العاصمة، كلُّ ذلك غدرًا بدمٍ باردٍ، وهذا ما أدَّى إلى إدراك ريمورو لذاته وللعالم، وكيفيَّة الاستفادة من هذا الإدراك، هذا التطوّر النوعيّ في شخصيّته هو ما دَفَعه إلى الخَطوِ في تلك الدَّربِ التي رأيناها، مدفوعًا بوجهة نظر لا بمحضِ مشاعر الانتقام، وهذا الاندفاع بوجهة نظر لا بمحض مشاعر الانتقام، من أحسن ما رأيتُه، ويُوضح أكثر لمَ هذا العمل وقعَ منِّي هذا الموقع.
اتفق معك في ما ذكرت فعلا تقديم الاحداث وتنفيذها كان متميز
ننتظر رأيك في الكور الثاني
بالمناسبة هل راح تتابع انمي التشيبي ايضا؟