لعلِّي حين بدأت في السلسلة النقديَّة لم أتوقَّع أن أصل إلى هذا الحدّ، ثمّ حين قطعت شوطًا ما تصوَّرتُ أنها ستنتهي عند هذا الحدّ، صحبتَني -عزيزي القارئ- شوطًا لا تُفارِقُني، وقد آن لك أن تستريح، وتمضيَ في سبيلك، وآن لي أن أعود من حيثُ أتيت.
كيف وسعني أن أستمرّ؟ لم أكتب السلسلة النقديَّة، بصراحة، منتظِرًا أن تُقرأ؛ على الأقل ليس الآن. كنت أكتب ويحرِّكُني شعور غريب أدعوه “أرشفة الذات”، وددتُ أن أرسم نُقطةً محوريَّة تعودُ إليها كلُّ مقالاتي، وأعود لها أنا نفسي كُلَّما أفقتُ من غَشْيَتي، التي باتت مؤخَّرًا تستنزف من وقتي الكثير.
لذا لم أمتعض حين رأيت قلة الإقبال، بل راعني أن عديدًا قرأ مقالاتي. ليس الشأن أنَّني لا أرى مقالاتي تستحقّ وقت القارئ، بل أنني لم أكتب مقالاتي مُراعيًا لوجوده في نسقِها، إلا مؤخرًا ومن جهة الترتيب لا غير، بقيت السلسلة صعبة القراءة كلما تضخمت، خصوصًا مع ترتُّبِ بعضِها على بعضٍ، وهجرَها قرَّائي المعتادون.
كنت مدفوعًا دائمًا بغايتي المحمومة في أرشفة ذاتي ورسم نقطة التقاء لآرائي كلِّها، هل حققت ذلك؟ أحسب أنْ نَعَم. وقد آن لي أن أودِّعَ هذه السلسلة، غير أنَّه كان لزامًا عليّ أن أوضح بعض النقاط قبل أن أنتهي.
ماذا حصل للمقالات التي وعدتُ بها؟
ثمة مقالات وعدتُ بها في السلسلة، ومقالات قلتُ إنني قد أكتبها، وفيما يلي كلُّ مقالة مع ما حصل لها:
- مقالة عن الوحدة الفنية للعمل الفنّي وفكرة تقسيمه إلى عناصر: قلتُ إنني قد أكتبُها، لكنّي وجدتُ ما قلته في المقالة الأولى وغيرها من المقالات كافيًا، لذا قررت أن لا أكتبها.
- مقالة عن التماسك: وجدتُ أن المذكور في سلسلة “مدخل إلى الحبكة” كافٍ، لذا قررت أن لا أكتبها.
- مقالة عن نظرية الأدب والمحاكاة: تضخَّمت هذا المادة كثيرًا، وقررت القراءة فيها أكثر، لذلك تركت فكرة التعرّض لها ضمن السلسلة، وسأحاول أن أفردها بمقالة أو أكثر مستقبلًا، أودّ أن أتعرَّض فيها أيضًا لمقالة “موت المؤلف” التي سطَّرَتها أضغاث أحلام رولان بارت (في أحسن الأحوال!)
- مقالة عن تطبيق العمق القصصي: وهي المكمّلة لمقالتي السابعة في السلسلة “تأسيس العمق القصصي” لكنني قررت تركها لكون السلسلة أكثر ارتباطًا بالتنظير، وما جاءت “تطبيق الحبكة” إلا لأنها احتوت على جانب نظريّ متعلّق بكيفيّة تشكّل هذا المفهوم مع هذا السياق النقديّ الجديد. غالبًا سأبثّ تطبيق مفهوم العمق القصصي في مقالات عديدة لي، فرغم تركي للمقالة لن أترك الفكرة.
هذا تمام الإيضاحات حول المقالات التي وعدتُ بها، أو قلت إني قد أكتبها.
ماذا بعد السلسلة النقديَّة؟
لعلّ عند من قرأ مقالتي السابقة عن السلايم تصوُّرًا عن إجابة هذا السؤال. في مقالاتي اللاحقة، سترى -عزيزي القارئ- النظرة الشاملة التي قرأتَها في السلسلة النقديَّة، والمصطلحات المذكورة فيها، والمنهجيَّة العامة، سواء تعلَّقَ الأمر بالمفاهيم النقديَّة أو المقالات التي تتحدَّث عن عمل بعينه، أو أعمال بعينها، أو منهجية محددة… إلخ.
أعتقد أن السلسلة النقديَّة قدَّمت منهجًا في التعامل مع النقد، في العددين الأوَّلين مثلًا تعرَّضتُ إلى كيفيَّة الفصل بين المفاهيم المختلفة المتشاكسة، وتخليصها مما علِقَ بها من الغموض أو الاستعمالات عديمة المعنى، لتوظيفها جميعًا في سياق نقديّ واحد يؤهل للحكم على الأعمال حكمًا موضوعيًّا، هذا واحد من المواضيع المهمّة.
في أعداد “مدخل إلى الحبكة” بيَّنتُ كيف تتعامل مع المفاهيم النقديَّة، بدأت أوَّلًا في مفهوم الحبكة بأصوله ونشأته، ثمّ تعرَّضنا إلى تقسيماته، ثمّ كيفيَّة تداوله مع اختلاف السياقات، ختامًا بتفصيل شأنه في المجال الذي نتحدَّثُ عنه، هذا يتيح لك نظرةً شاملة عن الموضوع. ليست المواضيع متطابقة، لكن البحث فيها جميعًا يجب أن يكون بتتبّع سيرها مفهوميًّا ومعانيها وحدودها الدقيقة.
في “تأسيس العمق القصصي” حاولت أن أصل إلى اصطلاح خاص، عبر اللغة والسياق والعلاقات بين الكلمات: تعرَّضتُ أوَّلًا إلى المعنى اللغوي للعمق، ثم استخلصتُ منه ما يمكن أن يعيننا في شأن هذا الاصطلاح الجديد، بحيثُ يُمكن بعدها نقاش الأعمال على أساسه، ويفهم كل واحد منا الآخر.
لم أقُلْ في السلسلة كلَّ ما يُمكن أن يُقال، ولا تعرَّضتُ إلى كلّ المعايير الممكنة، غير أنني استكشفتُ بعضها وتحدثت عنه، وحاولت أن أؤسس القضايا التي يجب أن يُتفق عليها ليكون لنقاشنا معنى، ولا بأس بعدها أن نختلف في التشخيص والآراء، بعد أن صار لنقاشنا معنى، كما بيَّنتُ في مقالتي الأولى.
ختامًا: أدخلت على مقالتي الأولى قبل أيَّام بعضَ الإضافات (وحذفت بعض النكت السخيفة) لذلك أنصح المهتمين بإعادة قراءتها. كما أنَّني أودّ إعلامكم أنه يُمكن أن تُلحق مقالتي “نقد التقييم العاطفي” بالسلسلة النقديَّة لشدّة الترابط بين الموضوعين، وإن كان الباعث على كتابة تلك المقالة مختلف، فأدعو المهتمين لقراءتها أيضًا.
أودّ توجيه شكر خاص للصديق العزيز هادي الأحمد، على إسدائه يَدَ العونِ لي في مواضع كثيرة، ونصائحه حول تنسيق الأفكار والمقالات. وأجدد الشكر لكم جميعًا.
إلى لقاء آخر.
مقالاتك نورتي واكملت ما عندي من مفاهيم ناقصة ووضعت النقاط عالحروف.
شكراً.. شكراً.. شكراً..
ما إسم الخط لو سمحت؟
خط دبي dubai font
نبغى تدوينه عن لوقه فضلًا
جزاك ربي كل خير أفدتنا
شكرا جزيلا سبق أن قرأت عن أدب الرواية و القصة القصيرة و المسرح و المقالة كتبا و لكن المانجا كما قلت سياق مختلف.