أهلًا بكم، كنت قد كتبت عدّة تغريدات حول رأيي بصورة عامة في هذا الفلم الرائع، ثم وعدت بكتابة تدوينة أحاول فيها بجدية الإجابة على التساؤلات التي تحوم حول ملابسات الفلم، ولن أطيل عليكم في هذه المقدمة، غير أنني أريد التوضيح فقط بأنني سأقوم بكتابة رأيي فيما حصل على طريقة سؤال & جواب.. ولنبدأ إذًا!
س: سيناريو الشبح، كيف عاد الشبح للّحظات الأولى؟
ج: يبدو أن مُخرج العمل وكاتبه ديفد لوري أحبّ أن يعرض مفهومًا محددًا للموت، وللحياة الواقعية من منظور الميت، فقام بتطبيق رؤيته الخاصة إلى ذلك؛ ألا وهي انتفاء التطبيقات الزمنية والتسلسل الزمني على مسيرة الميت ومشاهدته للحياة الواقعية ولأحبائه.
رأينا الروح الضائعة في البداية تعود للمنزل، ويُشاهد صاحب الروح الحياة الطبيعية لحبيبته دون أن يستطيع التواصل معها، وطالت هذه المشاهد لكي يريك العمل الحياة الواقعية كما هي، لكن متى عرفنا بالضبط أن التسلسل الزمني مفقود تمامًا؟
بعد أن هوت الروح – برأيي – من أعلى البناية، إذًا لكي نوضح الأمر: منذ عودة الروح للمنزل إلى بناء العمارة الكبيرة خط زمني واحد، غير أنه عند حضور العائلة الصغيرة ورؤية الروح لمقتلها كنا قد دخلنا لزمن آخر، نلاحظ استخدام الأسهم والأدوات البدائية مما يعني أن الزمن سابق على زمن التطور التقني، ثم تتحلل الجثث، ثم يرى الروح حياة شخصه مرة أخرى! هنا يتضح التجرد من الزمانية، فالشبح يرى حياة نفسه بنفسه، مما يعني أن الزمن مفقود تمامًا، وحينها اتضح لنا سر الأصوات التي كان الحبيبان يسمعانها في البداية.
س: ما هو مفتاح الراحة الأبدية في نظر المؤلف؟
ج: اتضح لنا في منتصف الفلم تقريبًا أن مفتاح الراحة الأبدية يتمثل في حصول الأشباح الساكنة على ما يفيد خلاصها؛ الخاتمة، وهذا الأمر واضح جدًا بعد أن تم تحطيم منزل الشبح البطل، هناك وجدنا الشبح الآخر الذي كان يتواصل معه يقول له “لا أعتقد أنهم [يعني أحباءه] سيعودون” ثم اختفى، لقد حصل هذا الشبح على خاتمته في حين ظل شبحنا البطل يحوم باحثًا عن خاتمته، التي حصل عليها بالنهاية هو الآخر، وسأقول لكم رأيي فيها حين نتحدث عن النهاية.
س: هل يتدخل الميت في حياة الأشخاص الواقعية ويؤثر فيها، أم يمثل دور المراقب فقط؟
ج: في الحقيقة هذا السؤال من أهم الأسئلة المطروحة ويبدو أنه يجسد لنا وجهة نظر المخرج كذلك، فهل الشبح هو مجرد متفرج أم أنه يملك القدرة على التأثير؟ في الحقيقة بعد مشاهدتي للفلم اتضح لي أن الجوابين صحيحان؛ ذلك لأننا رأينا منتصف الفلم تقريبًا يمثل فيها الشبح دور المتفرج فقط، لكننا رأيناه بعد ذلك يؤثر فما الذي تغير بالضبط؟
أعتقد أن الشبح يملك قدرة التأثير في الحياة الواقعية حين يتعرض شعوره لهزة عنيفة، لذلك رأينا ثلاث حالات فارقة تم فيها تأثير هذا الشبح بصورة واضحة، الحالة الأولى هي حين قبلت حبيبته شخصًا آخر، حينها تناثرت الكتب فقط وليست أي كتب بل الكتب التي احتوت على ذاكرة تربطه بحبيبته بالذات.
الحالة الثانية كانت أشدّ كثيرًا وهي الحالة التي سكنت فيها العائلة الأسبانية بيته، فحينها لم يتمالك نفسه ورأينا تأثيره في أقوى صورة؛ صورة مكسورة وكوب يرفع في الهواء ويُحطم وأوانٍ كثيرة تُرمى على الأرض وتكسر حتى غادرت هذه العائلة البيت.
الحالة الثالثة هي حين اطلع هذا الشبح على الحوار الطويل الوحيد الذي كان في منتصف الفلم تقريبًا كذلك أو بعده بقليل، حينها تحطم المصباح فقط، فالتأثر كان بسيطًا، طبعًا هنا تأكدنا أن الشبح يمكنه التأثير لذا لم نستغرب حين رأيناه يؤثر بقوة على حياة شخصه الحيّ نفسه في الواقع حين دار به الزمن ليعود ويرى حياته وآخر لحظاته بنفسه.
وعلى هذا، فما يبدو لي هو أنه في الحالة الطبيعية دون وجود محفز عاطفي لا تأثير للشبح، ويختلف الأمر حين يكون هناك مؤثر عاطفي، ثم يتفاوت التأثير وفقًا لقوة هذا المحفز.
س: هل يرى أحدهم الشبح؟
ج: لا أعتقد ذلك، على الرغم مما ظهر أن الابن في العائلة الأسبانية قد يكون رآه، أو الأم كذلك، لكنني لا أعتقد أنهم رأوه، لو نلاحظ جيدًا فالطفل وجه لعبة المسدس له، الأم نظرت باتجاهه، لكن هل هذا كافٍ لكي نقول إنهما رأياه؟
لا.. لأنه لو كان هناك شخص ما من الارتباط بقوة بالشبح بحيث يمكنه رؤيته فستكون تلك حبيبته وليس عائلة غريبة يراها للمرة الأولى، أما المشاهد التي رأيناها أعلاه فهي إحساس بوجود شيء ما فقط وليس رؤية حقيقية، وإلا لكان الطفل والأم يصرخان بشدة من الخوف مما رأياه، لن يتعاملا بهذه الطريقة الهادئة والبسيطة مع الأمر.. لقد عرفت الأم أن هذا المنزل مسكون بواسطة القرائن التي رأتها فقط، وردة فعل الطفل لا تعدو كونه أحس بشيء ما، وإذًا ففي رأيي يُرجّح أن الشبح غير مرئيّ لأحد.
س: المشاهد النهائية.. ما سر المشهد ذي الروحين [الشبحين] وما الذي حصل بالنهاية؟
ج: أعتقد أن ما حصل مع المشهد ذي الروحين هو ما قلته بإجابتي عن السؤال الأوّل، المسيرة التي خاضها هذا الشبح هي مسيرة متجردة من الزمن وهي بالتالي غير خاضعة لمعايير التسلسل الزمني، فهي تتقدم إلى أن تدور مرة أخرى للخلف إلى ما قبل حدث موتها ثم تتقدم لتشهد حدث موتها ما لم تحصل على راحتها، وإذًا فالشبح الثاني الذي ظهر عند النافذة بالنهاية ما هو إلا الشبح الأول نفسه، فالشبح إذًا يرى مسيرة نفسه بعد الموت، هو يرى كيف مات وتحول إلى شبح من جديد لأن التسلسل الزمني مفقود تمامًا، لكن كيف اختفى هذا الشبح بالنهاية؟
رأينا أنه رأى الورقة التي دستها حبيبته في خرق الجدار، وحينها اختفى كما اختفى الشبح المرافق الذي رأيناه اختفى بمنتصف أحداث الفلم حين قال إنه لا يعتقد أن أحباءه سيعودون، الورقة إذًا أعطت الروح خاتمةً، ويبدو لي أن الورقة كان مكتوب عليها “ارقد بسلام – Rest in peace” فقط لا أكثر، لأنها العبارة التي تناسب كذكرى رمزية تدسها في مكانٍ ما كما قالت الحبيبة نفسها في بداية الفلم، لم يكن عندها علم أنه سيأتي وسيلتقطها من داخل الخرق، وكيف التقطها؟
بوجود الحافز العاطفي كما أسلفنا الذي يؤهله للتأثير بالواقع. المشهد ذو الروحين في الحقيقة مشهد رائع جدًا لأنه نقل الفلم من رؤية الميت للحياة إلى رؤية الميت للموت ورؤية لميت [لرؤية الميت للحياة]! ويبدو أن ما يراه مجرد مشهد، فالشبح النسخة إذًا الذي رآه الشبح الأصلي في النهاية ليس إلا صورة من الأحداث التي مر بها نفسه وليس شبحًا مستقلًا بذاته، فحين رأى شبحنا الأصلي الورقة انتهى كل شيء، أما الشبح الآخر النسخة فهو ليس موجودًا حقًا، هو (شريط فيديو) إن صح التعبير يراه الميت الأصلي، الشبح الأصلي! وآسف للإطالة.